معركة الحصن القديم
عاد
الى الحارة فى أول اجازة بعد فترة غياب غير قصيرة و همست امرأة " ذهب يوم
الكشف بجلبابه ، و ها هو يعود بالبدلة الكاكى ، ما أجملة فى البدلة الكاكى
" . و حذاؤه الأسود الضخم لم يخف على أحد و لا طربوشه الطويل . أجل نحف و
لكن عوده اشتد و صلب . اكتست بشرته بسمرة غميقة من شمس الصحراء . و قال
عجوز سبق تجنيده :
1 أمامه خمس سنوات سخره كسائر الجنود المساكين .
يوم
دعى للتجنيد كان من أيام الحارة الحزينة . هرعت أمه الى شيخ الحارة و قالت
له فى ضراعة " نحن فى عرضك " ، فقال لها الرجل : " قوانين الحكومة لا تجدى
معها الشفاعة "
و أوصاها أن تذهب به الى رجل مشهود له بالمهارة فيضمن
له عاهه تعفيه من القبول يوم الكشف ، و لكن الشاب رفض الفكرة و قال لأمه :
انه يفضل خدمة الجيش خمس سنوات عن عاهة تلتصق به طوال الحياة . هكذا قبل
جنديا بلا زغاريد .
و يوم المحمل احتفلت به الحارة كلها . احتل الرجال
قطاعا من الطريق فيما يلى حى الشوام ، و تكأكأت النسوة فيما بين الحمام و
الجامع . و خفتت القلوب بالافراح .
و عاد الشاب الى حارته فى الاجازة
ليستمتع بشىء من الحرية و الراحة . و عزمت أمه على ألا تضن عليه بشىء و لو
باعت آخر أسورة فى معصمها . و قال لأمه و هو يخلع ملابسه .
- حياة القشلاق فوق طاقة البشر .
فدعت له بالقوة و الصبر ثم قالت متشكية بدورها :
2 و حياتنا فى الحارة أصبحت مثل حياة القشلاق و أسوأ ، ألم تسمع بما حصل ؟
بلى قد سمع كلمات متناثرة ، و لكنه لم يدرك أبعاد الحكاية ، فواصلت أمه قائلة :
4 لم يكن ينقصنا الا العفاريت ، ألم يكن فى الناس الكفاية ؟
الواقع
أدرك الشاب أن الحارة تمر بمحنه . قدر رهيب حرك الشر فى قلوب ساكنى الحسن
الذى يوجد بابه المغلق تحت القبو على كل من انفردوا به ليلاً ، و ملأوه
رعبا فسقط منهم جرحى و هم يفرون من الهول . استمع الجندى الى حكايات
الضحايا و عاين الجراح و الكسور ثم قال بامتعاض شديد
5 ما يصح أن تعبث العفاريت بحارة مؤمنه ..
فأيده جميع السامعين و قال صوت :
6 نحن فى حاجة الى بطل ..
فهز الحماس الشاب و قال :
7 أنا لها !!
فثارت ضجة و هتاف ، و تحمس كل شخص باستثناء أمه فأسكره الحماس و صح متحدياً :
8 أنا لها !!
و
انتظروا المغيب و قد تعلقت به الآمال ، و انزوت أمه تبكى ، و هبط المساء
ذلك اليوم فى هالة من التهاويل و الأخيلة الخارقة . و وقف الجندى ممسكا
بعصا أهداها إليه فتوة متقاعد . و تقدم من القبو يشق طريقة فى زحمة الخلق
فعلت الضوضاء حتى غطت على تحذيرات أمه الباكية . و فى صوت قوى واحد صاحوا
" أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم "
و فى ثبات
ظاهر مرق الجندى من باب الحصن القديم . و أنصتوا بقلوب راجفة و دفنوا
الهمسات فى الصدور و مال شيخ الحارة نحو الامام و سأله :
- كيف تنتهى المعركة ؟
فأجاب الامام :
9 الله يؤتى النصر من يشاء .
و
ندت من الداخل حركات عنيفة ارتعدت لها القلوب ثم كان انفجار ، تبعه صوت
كالرعد ، و انتشرت فى جوف القبو أصوات دق و كسر و تمزق و زمجرة و دار همس
حار مع الأنفاس المضطربة : " الدقيقة بعام كامل ، لو انهزم الحق علينا أن
نرحل عن الحارة . لولا حكمة ربنا ما أٌدم الشاب على المعركة " .
و ساد
الصمت فجاءة و فتح باب الحصن مرة أخرى فاقتحم صريره سكون الليل . و أمر
شيخ الحارة باشعال فوانيس الطوارىء فاشتعلت و تراءت على أضوائها الوجوه
الشاحبة و لاح الجندى فى الباب فهتف الناس بجنون " الله الله " و تقدم نحو
الحارة يسير فى مشية عسكرية فأوسعوا له و اذا بطابور من الأشباح يتبعه
بنفس المشية يسيرون أربعة أربعة . ذهل الناس و هم يرون الطابور و هو يشغل
سطح الحارة من القبو حتى مخرج الميدان . و توقف الجندى فوقوا و هم يتحركون
محلك سر . ظلوا يتحركون هكذا حتى لم يجد الناس مكانا الا لصق الجدران .
و ألاف الناس الفرحة و أفاقوا من سكرتها ، و حل محل ذلك تساؤل و دهشة و قشعريرة خوف . و سأل رجل شيخ الحارة :
- ألا ترى أمامك يا أعمى ... !؟
و أصرت الأم على اطلاق تحذيراتها حتى رميت بالجنون . و لم يعد يسمع فى الليل الا وقع الأقدام الثقيل !!
عاد
الى الحارة فى أول اجازة بعد فترة غياب غير قصيرة و همست امرأة " ذهب يوم
الكشف بجلبابه ، و ها هو يعود بالبدلة الكاكى ، ما أجملة فى البدلة الكاكى
" . و حذاؤه الأسود الضخم لم يخف على أحد و لا طربوشه الطويل . أجل نحف و
لكن عوده اشتد و صلب . اكتست بشرته بسمرة غميقة من شمس الصحراء . و قال
عجوز سبق تجنيده :
1 أمامه خمس سنوات سخره كسائر الجنود المساكين .
يوم
دعى للتجنيد كان من أيام الحارة الحزينة . هرعت أمه الى شيخ الحارة و قالت
له فى ضراعة " نحن فى عرضك " ، فقال لها الرجل : " قوانين الحكومة لا تجدى
معها الشفاعة "
و أوصاها أن تذهب به الى رجل مشهود له بالمهارة فيضمن
له عاهه تعفيه من القبول يوم الكشف ، و لكن الشاب رفض الفكرة و قال لأمه :
انه يفضل خدمة الجيش خمس سنوات عن عاهة تلتصق به طوال الحياة . هكذا قبل
جنديا بلا زغاريد .
و يوم المحمل احتفلت به الحارة كلها . احتل الرجال
قطاعا من الطريق فيما يلى حى الشوام ، و تكأكأت النسوة فيما بين الحمام و
الجامع . و خفتت القلوب بالافراح .
و عاد الشاب الى حارته فى الاجازة
ليستمتع بشىء من الحرية و الراحة . و عزمت أمه على ألا تضن عليه بشىء و لو
باعت آخر أسورة فى معصمها . و قال لأمه و هو يخلع ملابسه .
- حياة القشلاق فوق طاقة البشر .
فدعت له بالقوة و الصبر ثم قالت متشكية بدورها :
2 و حياتنا فى الحارة أصبحت مثل حياة القشلاق و أسوأ ، ألم تسمع بما حصل ؟
بلى قد سمع كلمات متناثرة ، و لكنه لم يدرك أبعاد الحكاية ، فواصلت أمه قائلة :
4 لم يكن ينقصنا الا العفاريت ، ألم يكن فى الناس الكفاية ؟
الواقع
أدرك الشاب أن الحارة تمر بمحنه . قدر رهيب حرك الشر فى قلوب ساكنى الحسن
الذى يوجد بابه المغلق تحت القبو على كل من انفردوا به ليلاً ، و ملأوه
رعبا فسقط منهم جرحى و هم يفرون من الهول . استمع الجندى الى حكايات
الضحايا و عاين الجراح و الكسور ثم قال بامتعاض شديد
5 ما يصح أن تعبث العفاريت بحارة مؤمنه ..
فأيده جميع السامعين و قال صوت :
6 نحن فى حاجة الى بطل ..
فهز الحماس الشاب و قال :
7 أنا لها !!
فثارت ضجة و هتاف ، و تحمس كل شخص باستثناء أمه فأسكره الحماس و صح متحدياً :
8 أنا لها !!
و
انتظروا المغيب و قد تعلقت به الآمال ، و انزوت أمه تبكى ، و هبط المساء
ذلك اليوم فى هالة من التهاويل و الأخيلة الخارقة . و وقف الجندى ممسكا
بعصا أهداها إليه فتوة متقاعد . و تقدم من القبو يشق طريقة فى زحمة الخلق
فعلت الضوضاء حتى غطت على تحذيرات أمه الباكية . و فى صوت قوى واحد صاحوا
" أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم "
و فى ثبات
ظاهر مرق الجندى من باب الحصن القديم . و أنصتوا بقلوب راجفة و دفنوا
الهمسات فى الصدور و مال شيخ الحارة نحو الامام و سأله :
- كيف تنتهى المعركة ؟
فأجاب الامام :
9 الله يؤتى النصر من يشاء .
و
ندت من الداخل حركات عنيفة ارتعدت لها القلوب ثم كان انفجار ، تبعه صوت
كالرعد ، و انتشرت فى جوف القبو أصوات دق و كسر و تمزق و زمجرة و دار همس
حار مع الأنفاس المضطربة : " الدقيقة بعام كامل ، لو انهزم الحق علينا أن
نرحل عن الحارة . لولا حكمة ربنا ما أٌدم الشاب على المعركة " .
و ساد
الصمت فجاءة و فتح باب الحصن مرة أخرى فاقتحم صريره سكون الليل . و أمر
شيخ الحارة باشعال فوانيس الطوارىء فاشتعلت و تراءت على أضوائها الوجوه
الشاحبة و لاح الجندى فى الباب فهتف الناس بجنون " الله الله " و تقدم نحو
الحارة يسير فى مشية عسكرية فأوسعوا له و اذا بطابور من الأشباح يتبعه
بنفس المشية يسيرون أربعة أربعة . ذهل الناس و هم يرون الطابور و هو يشغل
سطح الحارة من القبو حتى مخرج الميدان . و توقف الجندى فوقوا و هم يتحركون
محلك سر . ظلوا يتحركون هكذا حتى لم يجد الناس مكانا الا لصق الجدران .
و ألاف الناس الفرحة و أفاقوا من سكرتها ، و حل محل ذلك تساؤل و دهشة و قشعريرة خوف . و سأل رجل شيخ الحارة :
- ألا ترى أمامك يا أعمى ... !؟
و أصرت الأم على اطلاق تحذيراتها حتى رميت بالجنون . و لم يعد يسمع فى الليل الا وقع الأقدام الثقيل !!